الأدب الصغير أفكار ملتقطة من الحياة المشوهة لثيودور آدرنو منشورات الجمل لعل الإشكال المحوري لكتاب «الأدب الصغير» يرجع إلى تفحصه أسباب وأشكال وتشويه حياة الفرد ومسخها. رأى ثيودور فِ. آدُرنو أن الحياة تنضغط في أوطان جاهزة مسبقة الصنع، والموضوعات تنقلب إلى سلعة، والواجب الأخلاقي يقتضي ألا يشعر المرء بالاستقرار في أي مقام.يقر آدرنو أنه كتب القسم الكبير تحت تأثيرات الأنباء الواردة عن أوشفيتز(أكبر معسكرات الإبادة النازية في بولندا)، والذكرى الخمسين لولادة ماكس هوركهايمر في 14 فبراير 1945 هي التي مثلت المناسبة المباشرة لوضع هذا الكتاب. أما طور الإنجاز فقد صادف المرحلة التي اضطر فيها آدرنو مع جماعة فرانفكورت إلى الانقطاع عن العمل المشترك تحت وطأة ملابسات خارجية.جاء في تقديم الكتاب: «لا فكاك من أن يكون العلم يشتغل على «تعليم الحياة الحق» علما حزيناً من حيث الغرض كما من حيث المنزلة التي يحتلها في سياق الراهن البائس للفلسفة. لذا فهذا العلم بما هو استئناف للمعالجة الإتيقية للحياة المشؤّهة لا يلتمس بأي حال من الأحوال التشريع الأخلاقي للممارسة الإنسانية. فالحس النقدي ـ التاريخي الحاد الذي يتخلل جميع شذرات الأدب الصغير، يدفع عن هذا «العلم الحزين» التورط في أيّ شكل من أشكال التبرير أو التسويغ المتعالي عن الواقع الفعلي والموضوعية التاريخية لحياة الإنسان المعاصر.ويصف آدرنو منذ فاتحة الكتاب «الأدب الصغير» بأنه «علم حزين»، ولعله بحسب المترجم يعارض مقولة نيتشه في «العلم الجذل». وتحيل صفة الحزن إلى موضوع هذا العلم أو غرضه وإلى أشكال تناوله، بقدر ما تحيل أيضاً إلى الوضع البائس للفلسفة نفسها. وانطلق آدرنو في أفكاره من أن الحياة باتت في أسر الاستهلاك وتبعاته، والفلسفة تحولت مجرد منهج ابستيمولوجي في دراسة المعرفة وتفحص قضاياها.تجربة المنفى الذاتيةيبدأ آدرنو في كل جزء من الأجزاء الثلاثة للكتاب بتأملات تنبع من وضعية المثقف في المهجر. وهذا ما يجعل «التجربة الذاتية» للمنفى الفكري أحد روافد التشخيص النقدي للحياة المعاصرة في مجتمعات الرأسمالية وما بعد الرأسمالية. بعد الابتداء بالتجربة الذاتية، تعمل شذرات كل جزء من الأدب الصغير على توسيع نطاق التأملات ليشكل المجال الاجتماعي والإنثروبولوجي وينفتح على مقالات في الجماليات والعالم والتحليل النفسي. أما الشذرات التي تختم كل جزء فتخلص من حيث الغرض إلى الفلسفة، لكن من دون أن تزعم التوصل إلى شيء مغلق ونهائي: كل هذه الشذرات تلتمس تسجيل توجهات أو تقديم نماذج لأجل فهم المقصود. لكنها في ذلك التوسيع وهذا الامتداد تظل على علاقة محكمة بالذات الإنسانية. هذه العلاقة هي التي تسمح لشذارات كل جزء بأن تنتهي أو كما يقول آدرنو نفسه، «أن تخلص من حيث الغرض إلى الفلسفة من دون أن تزعم التوصل الى شيء مغلق ونهائي».ونثر آدرنو في الكتاب بتوتره وتحيره، يذكر قارئه بالنثر الرمادي لبعض أمهات نصوص المثالية الألمانية، والقصد هنا بعض نصوص الفيلسوف هيغل، إذ يقدم آدرنو جملة تشي بأكثر مما تفصح، تقف على الحافة أو الحرف الغائم للمعنى كي لا تخذل غرضها. والخطة الفلسفية التي يتوخاها المؤلف من كتابه تقوم في الأساس على تطوير أفكار مستلهمة من التجربة الذاتية للمنفى وتجربتها في اتجاهات متداخلة تتحول تدريجاً إلى توجهات تفكير فلسفي لا تمثل نتائج أو محصلات نهائية ومانعة بقدر ما تكون ضرباً من التلويح النقدي المدقق إلى سبل تفكير هي بمثابة النماذج المقدمة لأجل مجهود قادم يبذل للفهم.