تستوي رواية (التحوّل) لمؤلفها فرانتس كافكا على التأرجح بين الواقع والماوراء وتوسع مكاناً للغرابة والمشاهد السوريالية ما يجعلها فوق واقعية دون أن تنقطع عن عالم الواقع، فكافكا هنا يقدم واقعة (التحول) الجسدي لبطله، غريغور سامسا، في الجملة الأولى من القصة: إذ استيقظ غريغور سامسا ذات صباح، على إثر أحلامٍ ... سادها الإضطراب، وجد أنه قد تحوّل، وهو في سريره، إلى حشرة عملاقة وبالطبع، فإن تحولات من هذا القبيل هي من تيماتِ أساطيرَ وحكاياتٍ وقصص خرافية، وجدت، ولا شك، في الغالبية العظمى من الثقافات الإنسانية، وتجسدت في أعمال روائية عديدة ... ولكن تحوّل غريغور سامسا إلى حشرة عملاقة يقدمه كافكا هنا كحدثٍ عادي، لا يحتاج سبباً خاصاً ليقع، وكما يبدو للقارىء يقدم كافكا لنا (التحول) الذي طرأ على بطله على أنه لا يدعو حقاً إلى الإستغراب، على أنه واقعة بسيطة وقعت وكفى، وبهذا تكتسي يالقصة صبغة واقعية (وصف الحياة اليومية لعائلة غريغور البورجوازية الصغيرة بعدما وقع لغريغور، والحياة اليومية لغريغور نفسه، وهو في هيئته الحشرية المكتسبة، وقد بقي وعيه وعواطفه على ما كانت عليه قبل التحوّل ...). ولهذا فإن تحول غريغور البدني سيشكل فتحة لتحولٍ آخر، هو ذاك الذي سيطرأ على عائلته وهو ما سترويه القصة بتجلياته ومظاهره، وما ينتج عنه بالنسبة لغريغور من سيرورة لا مفر منها نحو نهايته ككائن منبوذ تتم الضحية به ولتنتهي القصة بنهاية بائسة. وعليه، ربما يكون تحول غريغور الجسماني هو بمثابة علامة على تمرده الفردي ورفضه لحياة مستلبة، آه، يا إلهي ، قال في نفسه، أي مهنة متعبة قد اخترت! بولان، يوماً بعد يوم وعمليات البيع التي تثير الأعصاب ... وزيادة على هذا، فإن علي أن أحتمل نكد التنقل ... . ولكن، هل التمرد الفردي يجدي، بالتأكيد لا ما دامت الأوضاع تبقى دائماً على ما كانت عليه، وها هو بطل كافكا يدفع ثمنها بمفرده ...