إن زمننا وهو الذي ينضح كما يعلم كل واحد منا بالإنسانية لا يفرِّق بين السَّعادة والإبداع الأدبي. لا يوجد عمل عظيم يحمل بُعداً ميتا فيزيقياً وصدى إنسانياً بحتاً لم يُخلق في السَّعادة حتى وإن رافقت الإبداع حمَّى صغيرة وحرارة مريحة تشبهه.ولئن كانت مراسلات بودلير يمكن أن تُقرأ مثل كبش فداء لتعاسات كل الشعراء فبإمكاننا إعادة كتابة التاريخ وتصوُّر ما كان يمكن أن تكونه حياة بودلير لو أن هذا الأخير استطاع أن يصرف المال الذي لم يتلقَّهُ بدلاً من أن يترك لوارثيه حصاد نصف ثروة تقريباً، هل كان باستطاعته أن يظفر بكتابة أزهار الشر وسأم باريس وصالون ١٨٥٩؟ إنَّ هذه المراسلات هي قبل كل شيء مأساة كان بودلير في نفس الوقت كاتبها ومخرجها وممثِّلها. لهذا لم يكن مؤيدوها في حدٍّ ذاتهم يشُكّون في أنَّها بلا ريب وثيقة لسيرة حياة. هل هي إذن مراسلات بالمعنى الذي نهبه عادة لهذه الكلمة؟ القارئ المنافق الذي سيعرف كيف يقرأها بودٍّ سيردُّ قائلاً بأنها عمل أدبي وربما هو أكثر عمل حياتيٍّ لبودلير . عمل تتحوَّل فيه حياة ما إلى قَدر.