منذ سنوات خلت، كنت أقطن شارعًا يُدعى "رو دي كاتر فانت".
وكانت نافذتي تطلّ على مطعم روسي يحمل اسم "تاري-باري"، اعتدت أن أتناول الطعام فيه كثيرًا، فقد كان يمنحك، في أي ساعة تشاء، طبق عصيدة، سمكًا مشويًا، أو لحمًا بقريًا مسلوقًا.
كنت أستيقظ أحيانًا في وقت متأخر من النهار، حين تكون المطاعم الفرنسية قد فرغت من تقديم الغداء، وبدأت تستعد لعشاء المساء، وفق جداولها الصارمة. أما في المطعم الروسي، فلم يكن للزمن سلطان.
فوق الجدار عُلّقت ساعة حديدية؛ أحيانًا تتوقف، وأحيانًا تمضي ولكن بلا دقة، وكأنها وُجدت هناك لا لتُخبر بالوقت، بل لتسخر منه. لم يكن أحدٌ ينظر إليها.
غالبية الزبائن كانوا مهاجرين روسًا، حتى أولئك الذين كانوا في بلادهم يتميزون بالدقة والانضباط، بدوا وكأنهم في غربتهم قد تخلوا عن ذلك، أو باتوا يخجلون من إظهاره.
كأنهم، بوعي، يرفضون حسابات الغرب، وتخطيطه العقلاني المُبالغ فيه.